كلمة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في القمة العربية- الإسلامية في الرياض
الإثنين، ١١ تشرين الثاني، ٢٠٢٤
خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود
صاحب السمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن العزيز آل سعود
أصحاب الجلالة والسمو والسيادة والفخامة
معالي الأمينين العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي
رؤساء الوفود
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية أتقدَّمَ بالشكرِ العميقِ للمملكةِ العربيةِ السعوديةِ على دعوتِها إلى هذه القمَّةِ لمناقشةِ العدوانِ الإسرائيليِّ المستمرِّ على فلسطينَ ولبنانَ والتداعياتِ الخطيرةِ لهذا العدوانِ على أمنِ المنطقةِ واستقرارها، تنفيذًا لتوجيهاتِ خادمِ الحرمينِ الشريفينَ الملكِ سلمانَ، وبدعمٍ وجهودٍ من وليِّ العهدِ سموِّ الأميرِ محمَّدِ بنِ سلمانَ.
أخاطبكم اليوم من هذا المنبر باسم لبنان، للتعبير عن هول الكارثة التي نعيشها هذه الأيام، فلا أحَدِّثُكُم عن لبنانَ الذي تعرِفونَهُ، حضارةً وعلماً وجامعاتٍ ومستشفياتٍ، وصحافةً رائدة، ولا أحدِّثُكُم عمَّا مرَّ بِهِ من نكباتٍ وويلاتٍ على مدى نصفِ قرن، وما بذلَه في سبيلِ العروبةِ والقضيةِ الفلسطينية، وما فعلَتْهُ حروبُ الآخَرين على أرضِه، بل أحصُرُ كلامي بلبنانَ الذي لم يَتَسَنَّ لكم بَعْدُ أن تَرَوْهُ كما تراه عيونُ اللبنانيين، مشاهدَ يتبدَّلُ شريطُها ثانيةً فثانية، وغارةً فغارة، وجريمةً ضدَّ الإنسانية تِلْوَ أخرى، بأبشعِ الوسائلِ وأفدحِ الإجرام.
أصحاب الجلالة والسمو والسيادة والفخامة
يمرُّ لبنان بأزمةٍ تاريخيَّةٍ مصيرية غيرِ مسبوقةٍ تُهَدِّدُ حاضره ومستقبلَهُ، فهو يُعاني من اعتداءٍ إسرائيليٍّ صارخٍ ينتهكُ أبسطَ قواعدِ القانونِ الدوليِّ الإنسانيِّ واتفاقياتِ جنيفَ، التي وُضِعَتْ لحمايةِ المدنيِّينَ في النزاعاتِ المسلَّحة.
وهذا الإعتداء يأتي ليضاف الى كمّ من التحديات البنيوية والأزمات المتراكمة والملفات الشائكة.
وبطبيعة الحال، لا يجوز ولا يمكن أن تستمر إسرائيل في عدوانها المتمادي على لبنان وشعبه، وانتهاك سيادته وتهديد علة وجوده من دون حسيب أو رقيب. هذا الوطن- الرسالة الذي يعتبره الأشقاء والأصدقاء بمثابة حاجة للأمن والسلم والأمان والإستقرار والإزدهار في المنطقة.
إنه لبنان الذي يتفق اللبنانيون جميعاً على نهائية كيانه وفق مقدمة الدستور "المنبثق من اتفاق الطائف الذي رعته المملكة العربية السعودية، هو لبنان السيد، الحر، المستقل، الوطن النهائي لجميع أبنائه. لبنان العربي الهوية والإنتماء الملتزم مواثيق الجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة وهو أحد مؤسسيهما، والملتزم شرعة حقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
صاحب السمو
أصحاب الفخامة والسيادة
لقد تسبَّبَ العدوان الإسرائيلي المتمادي على لبنان بخسائر إنسانية فادحة، فتجاوز عدد الضحايا حتى الآن أكثر من ثلاثة آلاف شهيد، والجرحى أكثر من ثلاثة عشر ألف شخص.
وقد تسبب هذا التصعيد بإجبار حوالى مليون ومئتي ألف لبنانيٍّ، على النُّزوحِ في غضونِ ساعاتٍ معدودةٍ ممَّا أضافَ عبئًا جديدًا على كاهلنا وعلى وضعنا الداخلي المثقل بالأزمات المتتالية.
وتأتي الآثارُ الإقتصاديَّةُ لهذا التصعيدِ العسكريِّ لتزيدَ من حجمِ المأساةِ، إذ، وفقًا لتقديراتِ البنكِ الدوليِّ الأخيرةِ، قدِّرَت الأضرارُ والخسائرُ المادية لغاية اليوم بثمانية مليار و500 مليون دولار، منها ثلاثة مليارات وأربعمئة مليون دولار تشمل تدميراً كلياً أو جزئياً لمئة ألف مسكن، فيما الخسائر الإقتصادية بلغت خمسة مليارات ومئة مليون دولار وتشمل التربية والصحة والزراعة والبيئة وقطاعات أخرى.
ولا يُمكِنُ لأيِّ دولةٍ أنْ تتحمَّلَ وحدَها عبءَ هذا الدمارِ الهائلِ، فكيفَ بلبنانَ، الذي يُواجِهُ أزمةً اقتصاديَّةً ومالية متفاقمة وغيرَ مسبوقةٍ منذُ خمسِ سنواتٍ.
باسم جميع اللبنانيين أنتهز هذه المناسبة لأوجه كلمة شكر وامتنان لكل الدول التي دعمت لبنان وتدعمه باستمرار، مثنياً على الروابط التي تشُدُّكم دوماً إلى لبنان وتشدنا دوماً اليكم.
ما يجمعنا لا يفرّقه أي ظرف، من هنا أدعوكم صادقاً الى التكرّم بمساندة الدولة اللبنانية والمؤسسات الدستورية والسيادية والنقدية والإستمرار مشكورين في إرسال المساعدات الإنسانية والغذائية والصحية العاجلة والملحة.
كما أدعو بلدان الإقليم والعالم الى احترام خصوصية لبنان ودعمه كنموذج تعددي يقتدى به في كافة المجتمعات التعددية، وهو يدعو أيضاً الى الإمتناع عن التدخل في شؤونه الداخلية عبر دعم هذه الفئة أو تلك بل دعم لبنان الدولة والكيان.
وبانتظار الظروف الملائمة لعودة النازحين الى ديارهم، أعدّ لبنان برنامج دعم دقيق وشفاف لحسن ضيافة النازحين خارج ديارهم وتأمين المتطلبات الإنسانية لإقامتهم الموقتة وإخلاء المدارس لإعادة التدريس وتأمين التحاق الأولاد النازحين بمدارس ملائمة وتأمين المساعدة الغذائية والصحية، والتحضير، وفور بلوغ مرحلة وقف إطلاق النار، لعودة الأهالي الى قراهم، وذلك بإعداد برنامج للعودة.
ونحن في صدد إنشاء صندوق تمويلي يتغذى من إسهامات الدول الشقيقة والصديقة بإشراف إدارة أممية على أن يكون الإنفاق لإعادة الإعمار، خاضعاً للتدقيق الدولي الموثوق.
ويبقى الأساس هو وقف العدوان المستمر على لبنان فوراً وإعلان وقفِ إطلاقِ النار، وإرساءِ دعائمِ الإستقرارِ المستدامِ، مع تأكيد التزام الحكومةً اللبنانية الثابت والراسخ بالقرار الدولي الرقم 1701 بكل مندرجاته وتعزيز انتشار الجيش في الجنوب وبالتعاون الوثيق مع القوات الدولية لحفظ السلام، والعمل على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل الحدود المعترف بها دولياً.
واليومَ نُجَدِّدُ نداءَنا إلى أصدقائِنا من الدولِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، وإلى المجتمعِ الدوليِّ بأسرهِ، للدفعِ معنا في الوصولِ إلى وقفٍ فوريٍّ لإطلاقِ النارِ وبدءِ تنفيذِ هذا القرارِ كمدخلٍ لاستقرار دائمٍ.
أيها السادة
يتمثل التحدي الإقليمي الأبرز في القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني، الذي يرزح تحت الإحتلال ويصارع لنيل أبسط حقوقه الإنسانية. أجدد الدعوة الى وقف إطلاق النار في غزة، والعمل على تحقيق السلام العادل والشامل والدائم المستند الى حل الدولتين.
وهنا أثمّن عالياً الطرح الذي تقدم به سابقاً صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان والذي ينص على منح الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة كسبيل ناجع لتحقيق الإستقرار المنشود في المنطقة.
ختاماً
السلام عليكم أيها الأخوة ورحمة الله وبركاته، من وطنٍ تحت نار العدوان، يفتقد السلام والرحمة والبركات.